
وكانت الهجرة كذلك رمزاً للرفض التام لهذا المجتمع الوثني في مكة مجتمع قريش الغارق في بحار الجهل والظلام، المتعنت في غروره وكبريائه، السادر في غيه وطغيانه
وقد صورت الهجرة أنقى وأجمل صورة عرفها التاريخ في سبيل نصر العقيدة والحق والفضيلة، وما كان ليتيسر لها ما تيسر من نجاح لولا رعاية الله لها وتوفيقه للمؤمنين المهاجرين، ثم أخذ النبي القائد بالأسباب المادية المتاحة من الاستعداد والتجهيز وحسن التخطيط والتنظيم
من هنا تبقى الهجرة نموذجاً رائعاً وحدثاً جليلاً يحمل دروساً عدة متجددة في الصبر والفداء والتضحية والإيثار والإخاء والشجاعة والعدل والحكمة لكل المسلمين في كل زمان ومكان
من رحم المعاناة॥ خرج جيل النصر
كانت الهجرة نقلة نوعية عظيمة وفتحاً كبيراً للإسلام بل تغييراً لوجه الأرض بأكمله، تلك الأرض التي كانت تئن من ظلم الظالمين وجهل الجاهلين، وعبث العابثين وشرك المشركين. كما كانت فرجاً ومخرجاً وعزاً ومنعة للمسلمين، فأصبحوا بعدها أصحاب دار وقرار، وعز وقوة وأمان، وفي ذلك يقول الحق جل وعلا مثنياً على نفسه، ومذكراً الصحابة بهذه النعمة عليهم: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) (الأنفال - 26). وجيل النصر هذا الذي خرجته الهجرة المباركة مثال حي للمسلم الواعي صاحب الفكر الراسخ والعقل الناضج، والعقيدة المتينة، صاحب المنهج السليم الذي لا يساوم فيه ولا يحيد عنه ولا يتذبذب ولا يروغ عنه روغان الثعلب، بل يقنع ويعتد بمنهجه الأصيل الذي هو كالذهب، لا تزيده الابتلاءات والمتاعب إلا إشراقاً ولمعاناً।
ولنا لقاء اخر ان شاء الله